تَشكّل هُوية الطفل من خلال حصة "تهجئة الحياة" في التعليم الياباني الحديث

   في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، اقترح إريكسون أن مفهوم الهُوية يمثل ركن أساسي في التحليل النفسي، وأوضح أنه يمنح معنى وقيمة إيجابية متسقة لوجود الفرد، مما يؤدي إلى شعور متماسك ومستمر بالذات. ومن ناحية أخرى أكد عالم النفس الاجتماعي الأمريكي "نيوكومب" على الجانب الاجتماعي لتشكُل هُوية الفرد، مشيرًا إلى أن التواصل المستمر من قِبل الآخرين له معنى كبير في تشكّل الهُوية. وفي سياق التعليم، يمكن أن يساهم التوجيه المستمر من المعلم في تكوين الوعي الذاتي للطفل بشكل كبير.
   من خلال تدريس مقرر اللغة اليابانية خلال فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية في اليابان، أصبح وقت تدريس حصة "تهجئة الحياة" في المدارس وقتًا بارزًا، مما شجع الأطفال على استكشاف وعيهم الذاتي. "تهجئة الحياة" هي حصة يقوم فيها المعلم بتوجيه الطلاب لتسجيل ما يعيشونه خلال يومهم خارج المدرسة من مواقف حياتية، مستخدمين فيها كل حواسهم لتسجيل مشاعرهم كما هي. مما أدى إلى تعزيز تواصل عميق بين الأطفال وتجاربهم في الحياة الواقعية.
  كان الأطفال قبل الحرب يعيشون في ظروف معيشية قاسية في القرى الزراعية الفقيرة في اليابان. وكانت توجيهات المعلمين وممارساتهم حول كيفية ملاحظة وتسجيل الحياة اليومية من أجل استخدامها في حصة "تهجئة الحياة" تلعب دورًا مهما في تعميق مفهوم الهُوية لدى هؤلاء الأطفال. ومن خلال حصة "تهجئة الحياة" كانوا يكتبون مقالات تستند إلى أفكار واقعية من مواقف قد عاشوها ومقابلات قاموا بها مع أشخاص في حياتهم اليومية. مما عمق فهم الأطفال لمشاكل المجتمع الياباني وبالتالي لعلاقتهم وانتمائهم لهذا المجتمع مع انعكاس ذلك على حرية التعبير في مقالاتهم التي تم تجميعها ونشرها فيما بعد. مما ساهم في إغضاب الحكومة والذي أدى بدوره إلى قمع حركة "تهجئة الحياة".
   شهدت فترة ما بعد الحرب تراجع في استخدام مقرر "تهجئة الحياة" كأداة تعليمية. وربما يعود هذا إلى إعطاء الأولوية للتعليم الخاص بموضوعات معينة في النظام التعليمي الديمقراطي الجديد بعد الحرب. بالإضافة إلى ذلك، شهد السياق التعليمي فترة ما بعد الحرب تحولا في شكل التحديات التي يواجهها الأطفال، مما قلل من الحاجة الملحة للتعبير كما كان الوضع فترة ما قبل الحرب